حق الكد و السعاية
بقلم د. إيمان ابراهيم
- في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة، كثرت دعاوى إحياء "حق الكد والسعاية"
باديء ذي بدء يمكن القول أن هذا الحق يعد من التراث الإسلامي، لحفظ حقوق المرأة العاملة و التي تبذل جهدًا في تنمية ثروة زوجها، فالشريعة الإسلامية حريصة على صون حقوق المرأة وكفالة كل ما من شأنه أن يحفظ كرامتها، متى خرجت للعمل
وساهمت في مصروفات المنزل مع زوجها،
وحق الكد والسعاية يعني: أحقية الزوجة في الاتفاق مع زوجها على تحرير عقود ما تثبت حقها في عمله أو ماله قبل مشاركتها معه في تنمية ثروته بالجهد أو المال أو بعد مشاركتها، و يكتب الزوج بموجب هذه العقود للزوجة ما تنفقه في الحياة الزوجية، وإن لم يوثقا الحق كان الإثبات من خلال قواعد الإثبات العامّة شرعًا وقانونًا وعُرفًا.
وأوضح مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية معنى الكد والسعاية على النحو الآتى:
▪️حقّ المرأة في «الكدّ والسّعاية» فتوى تُراثية، يرجع أصلها الفقهي إلى أدلَّة الشَّريعة الإسلامية الواردة في حِفظ الحُقوق، والمُقرِّرَة لاستقلالية ذمّة المرأة الماليّة، والتي منها قول الحقِّ سُبحانه: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: ٣٢]،
كما يعود "حق الكد و السعاية" في التراث الإسلامي إلى اجتهاد قام به عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءته سيدة تدعي "حبيبة بنت زريق" تحكّمه في قضية ميراث من زوجها عمر بن الحارث، حيث كان يتاجر فيما تنتجه وتصلحه من عملها في الطرازة، واكتسبا من ذلك مالًا وفيرًا، فلما مات زوجها ترك مالا وعقارًا وتسلم أولياؤه الخزائن، فنازعتهم الزوجة في ذلك، وحين اختصموا إلى عمر بن الخطاب قضى للمرأة بنصف المال وبالإرث في النصف الباقي.
واعتبر أن الزوجة كانت شريكة لزوجها في الربح والعمل والكسب، ثم قضى بمثلِه كثيرٌ من القُضاة والفُقهاء عبر العُصور؛ سيّما فقهاء المذهب المالكي.فقد استند علماء المذهب المالكي إلى هذا الاجتهاد، فكثير من فقهاء المالكية أفتوا بحق الزوجة في اقتسام ثروة زوجها التي اكتسبها خلال فترة زواجهما بقدر جهدها وسعايتها، ومنهم شيخ المالكية في عصره العلامة أبو العباس أحمد بن عرضون.
▪️و يُفتي الأزهر الشريف عبر تاريخه بما استقر فقهًا من ضرورة حفظ حقوق المُساهمين في تكوين وتنمية الثّروات والتّركات، وإحياؤه لفتوى الكدّ والسّعاية إحياءٌ لمنهجها واصطلاحها وتراثها؛ لكثرة المخالفات الواقعة في شأنها بالتزامن مع زيادة مُشاركات النساء في تنمية ثروات أزواجهن، وخروجهن لسوق المال والأعمال.
▪️و من الجدير بالذكر في هذا المقام أن حقّ الكدّ والسّعاية ليس حقًّا خاصًّا بالزوجة في مال زوجها، بل هو ما يستحقه كل من ساهم بماله أو بجهده في تنمية أعمال أحدٍ وثروته، كالإبن والبنت إذا ساهما في تنمية ثروة أبيهما بالمال والعمل أو بأحدهما، و ابن الأخ مع عمّه، ونحو ذلك.
*و حيث إن «الكدّ والسّعاية» حق للزوجة في ثروة زوجها إذا شاركته في تنميتها ببذل المال أو بالسعي والعمل أو بكليهما معًا، فبالتطبيق على أرض الواقع يمكن توضيح عدة صور لمشاركة الزوجة العملية في تكوين ثروة زوجها : مثل عملها معه ببدنها في مشروع أو شركة أو صنعة ونحو ذلك، ومن صور المشاركة المالية: إعطاؤه من هبة أبيها لها أو من هبة غيره، أو ميراثها من أبيها أو من غيره، أو من راتب عملها، أو من صَداق زواجها، أو مقتنياتها، أو حُليِّها، ونحو ذلك مما امتلكته، وكان في ذمتها المالية المُستقلّة التي قرّرها الإسلام لها.
* ويمكن القول أن حقّ الكدّ والسّعاية للزوجة لا يُقدَّر بنصف ثروة الزوج أو ثلثها، وإنما يُقدّر بقدر مالِ الزوجة المُضاف إلى مال زوجها وأرباحه، وأجرة سعيها وكدِّها معه، ويمكن للزوجة المطالبة به أو المسامحة فيه أو في جزء منه.
و يتضح من ذلك كله أن الإسلام قد بنى الحياة الزّوجية على الرّحمة وحُسن العِشرة، وقسّم أدوارها ووزّع مُهماتها بشكل يتناسب وطبيعة طرفيها وملكات كلٍّ منهما وإمكاناته، وحدَّد ما ينبغي أن يكون غاية لها، وما ينبغي أن يكون وسيلة يُتوصل بها إلى غيرها في عدالةٍ بديعة، و رُقي مُنقطع النَّظير في الشَّرائع والنُّظم الاجتماعية كافَّة.
فحق الكد والسعاية يحفظ حقوق المرأة خاصة من مشكلات ما بعد الطلاق، الطاعة والنفقة والكد والسعاية، فكانت هناك عدة مطالبات بتعديل قانون الأحوال الشخصية، فالمرأة المصرية والعربية لا تزال تسعى لإقراره بالقانون، وبينما تقره بعض الدول في تشريعاتها، لا تزال نساء مصر يواصلن المطالبة بإقراره.
و حيث يعد حق الكد والسعاية من الأهمية بمكان حيث يحفظ حقوق المرأة التي بذلت جهدًا في تنمية ثروة زوجها، ونص الفتوى هو أن يُستوفى حق المرأة في الكد والسعاية من تركة زوجها المتوفي مع قضاء ديونه، وقبل تقسيم تركته قسمة الميراث الذي تستحقه منه نصيب الزوجة، أي فرض الربع إن لم يكن لزوجها أولاد، أو الثمن إن كان له أولاد منها أو من غيرها.
و جاءت هذه المطالبات بتطبيق القانون لحق الكد و السعاية و بصدد الحفاظ على حقوق المرأة الزوجية سواء توفى عنها زوجها أو طلقت، والتي تجد نفسها بعد الطلاق وبعد سنوات من الكفاح مع زوجها خارج حساباته ودون أي ضمانات، بل وقد تكون عرضة للضياع نتيجة عدم قدرتها على القيام برفع قضايا، بالإضافة إلى تأخير الحسم في مثل هذه القضايا حال وصولها للمحاكم.
وتكتظ دور المسنين بسيدات نُلْن عقوق الأزواج والأولاد بعد فناء عمرهن وهذا لا يليق بالمرأة المصرية، ولا يضمن لها حياة كريمة في ظل دولة تسعى على قدم وساق لتحقيق الحياة الكريمة لكل مواطن فما بالك بالقوارير اللاتي أوصى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و يضعهن رئيس الدولة نصب أعينه.وفي ظل سياسة تمكين المرأة و هو ضرورةٌ مُلحَّةٌ؛ يترتب عليها تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات لكلٍّ من المرأة والرجل، وهذا بدوره سيؤدّي إلى مجتمعٍ أكثر عدلًا واستقرارًا توازنًا، فكانت هناك عدة توصيات باقتراح مسودة أو فكرة أولية لنص تشريعي لضمه لقانون الأحوال الشخصية سواء في ثوبه الجديد أو في تعديل مستقل يتضمن النص على الآتي: أن يكون للزوجة التي توفي عنها زوجها أو طلقها وكانت شريكة له في السعي في تحقيق ثروته، نصف هذه الثروة حال وفاته أو طلاقها وهذا ما لا يخل بحقها الشرعي من الميراث حال وفاته، ولابد من سن تشريع يقره البرلمان وسيتم تخصيص هذا التشريع وفقًا لمجموعة من العوامل، ومنها مدة الزواج وعدد الأبناء، وأن يكون لكل من الزوجين ذمة مالية.
*و يجب التنويه إلى أن الجهات التشريعية والمنوط بها مجلس النواب هي المعنية بإعادة العمل في الكد والسعاية، مؤكدًا دور التشريع والمجالس العرفية في الترضية بين الزوجة والورثة.
و يثور التساؤل علام يبنى حق الكد و السعاية فتكون الإجابة أن هذا الحق يبنى على أساس مساهمة المرأة في المصروفات والعمل، * أما إذا كان حق السعاية نظير أعمالها المنزلية المتعارف عليها فهذا ممنوع، لأن الشريعة الإسلامية جعلت لها المهر والنفقة، والمعلوم أن السيدة فاطمة رضي الله عنها كانت تكد داخل المنزل احتسابًا وزوجها الإمام علي يكد خارج المنزل للنفقة.
▪️و من الجدير بالذكر في هذا الشأن أنه لا يتعلق أخذ الزّوجة حقّ كدّها وسعايتها من ثروة زوجها بانتهاء زوجيتهما بوفاة أو انفصال، وإنما هو حقّ للمرأة حال حياة زوجها وبقاء زوجيتهما، لها أن تأخذه أو تتسامح فيه؛ إذ الأصل فيه أنه مال للزوجة على معايشهما ومصالحهما الأسرية.
كاتبة المقال
د. إيمان ابراهيم
مدرس بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر وواعظة بارزة من واعظات وزارة الأوقاف المصرية