recent
أخبار عاجلة

المرأة الكويتية... أيقونة النضال والبناء في قلب الخليج

 




المرأة الكويتية... أيقونة النضال والبناء في قلب الخليج

بقلم :حسين السمنودي

كاتب صحفي



لم تكن المرأة الكويتية يومًا هامشًا في التاريخ أو تفصيلًا في نسيج المجتمع، بل كانت ولا تزال حجر الزاوية في بناء الدولة الكويتية الحديثة، وروحًا نابضة داخل كل بيت وساحة ومدرسة ومؤسسة، منذ لحظات التأسيس الأولى وحتى لحظات النهوض والمواجهة والتحدي. إنها المرأة التي عبرت الصحراء والبحر، وواجهت الأنواء والحدود، وساهمت بصمتها الخاصة في رسم ملامح الكويت التي نراها اليوم.


عبر التاريخ الكويتي، برز دور المرأة بشكل لافت، خاصة في الفترات التي كانت تحتاج فيها البلاد إلى من يشارك في البناء المجتمعي دون تمييز بين ذكر وأنثى. لقد أدّت المرأة الكويتية دورًا مهمًا في الاقتصاد قبل اكتشاف النفط، حين كانت تدير شؤون الأسرة وتشارك في بعض الحرف المنزلية والتجارية كالنسيج والطهي والخياطة، وكانت تقف خلف الرجل البحار التاجر، تنتظره بصبر وتربي الأبناء وتزرع فيهم القيم. لم تكن تلك الأدوار تقليدية، بل كانت بمثابة مشاركة فعلية في البقاء والاستمرار.


ومع دخول الكويت إلى مرحلة الدولة الحديثة، بدأ وعي المرأة بذاتها وبحقوقها ومسؤولياتها يتبلور أكثر، فكان التعليم أول السلالم التي ارتقتها المرأة الكويتية بثبات وإرادة. وقد أنشئت أول مدرسة للبنات في الكويت عام 1937، وكان ذلك الحدث بمثابة ولادة جديدة لوعي الأنثى الكويتية، لتمضي بعده الأجيال النسائية نحو دروب العلم والثقافة بلا تردد. لم يكن الطريق سهلاً، بل كان محفوفًا بالتحفظات الاجتماعية والتقاليد المحافظة، لكن الإصرار والرغبة في النهوض كانت أقوى من القيود.


نضال المرأة الكويتية لم يكن نضالًا اجتماعيًا فقط، بل حمل أبعادًا سياسية وقانونية أيضًا. فسنوات طويلة من المطالبة بالحقوق السياسية قادتها نساء رائدات بكل حكمة وشجاعة، حتى توّجت هذه المسيرة عام 2005 بحصول المرأة الكويتية على حق الترشح والتصويت، ومن ثم دخولها قبة البرلمان. وقد تجلّت الرمزية الكبرى لهذا الانتصار في تجربة المرأة الكويتية كوزيرة ونائبة وسفيرة وقيادية، حملت على عاتقها تطلعات الوطن وهموم المجتمع.


ولأن لكل نجاح تحديات، فقد واجهت المرأة الكويتية الكثير من المعوقات، منها ما يتعلق بالتقاليد الاجتماعية الراسخة، ومنها ما يرتبط ببيئة العمل وقلة الفرص القيادية في بعض المجالات، ومنها ما هو نابع من التحدي المستمر لإثبات الذات في بيئة يغلب عليها الطابع الذكوري في بعض مفاصلها. كما أن الحروب والاحتلال، خصوصًا أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990، شكلت تحديًا جسيمًا للمرأة، حيث برزت في تلك الحقبة بطولات نسائية صامتة، في المقاومة والعمل الإنساني والرعاية الأسرية، لا تزال محفورة في ذاكرة الوطن.


ورغم هذه التحديات، لم تتوقف المرأة الكويتية عن التقدم والابتكار، فقد صنعت لها وجودًا بارزًا في المجالات الطبية والعلمية والإعلامية والقضائية والفنية. في الطب، شقت طبيبات كويتيات طريقهن وسط ظروف صعبة ليصبحن رائدات في جراحات معقدة، وفي الإعلام كانت الكويتية من أوائل النساء في الخليج ظهورًا على الشاشة والإذاعة. وفي الشعر والأدب، لمعت أسماء لا يمكن تجاوزها كالدكتورة سعاد الصباح التي جمعت بين الحرف والحرية، وبين القصيدة والموقف.


كما أن المرأة الكويتية تركت بصمتها في مجال المجتمع المدني، عبر عشرات الجمعيات النسائية التي تدافع عن حقوق الإنسان وتمكّن النساء وتساعد الأسر المحتاجة. وقد كان لهذه الجمعيات دور رائد في حملات التوعية، وفي مواجهة قضايا مثل العنف الأسري، وتمكين النساء الريفيات، وتعزيز المشاركة المجتمعية.


اليوم، تقف الكويتية في موقعها الطبيعي بين نساء العالم اللواتي يشاركن في صنع القرار، وتخوض غمار الدبلوماسية الدولية وتُدير مشروعات اقتصادية وتكنولوجية، وتسعى نحو مزيد من المكاسب والتشريعات التي تحفظ لها كرامتها وتحمي مكتسباتها. لقد أصبح صوتها مسموعًا في المحافل، وأثرها واضحًا في السياسات الوطنية، ووجودها داخل الأسرة لا ينفصل عن وجودها في مجلس الأمة أو مؤسسات الدولة.


المرأة الكويتية، بعبق التاريخ وحلم المستقبل، لا تزال تسير على درب طويل من العطاء والوعي والكرامة، متحدية كل ما قد يحاول أن يقلل من شأنها أو يحد من حركتها. فهي شريكة رجل الكويت، ورفيقة وطنها في السراء والضراء، وعنوان مضيء لنموذج المرأة العربية التي تكتب اسمها بأحرف من نور في سجل الأوطان الحرة.

google-playkhamsatmostaqltradent