recent
أخبار عاجلة

ثورة زراعية شاملة فى قلب سيناء المصرية


 ثورة زراعية شاملة  فى  قلب سيناء المصرية

بقلم الكاتب 

حسين السمنودي


في قلب الصحراء وعلى أرض كانت تُوصَف لعقود بأنها جرداء نائية، تشهد سيناء اليوم ثورة زراعية شاملة تُعد واحدة من أعظم وأشجع المعارك التنموية في تاريخ مصر الحديث. إنها ليست مجرد مشروع زراعي، بل حرب تنموية حقيقية تخوضها الدولة المصرية بكل مؤسساتها، حيث السلاح فيها هو العلم والتخطيط والعمل الدؤوب، والهدف هوالأرض وتعميرها وربط سيناء بوطنها الأم بشكل عملي وجذري لا رجعة فيه.


جاءت ترعة السلام كأحد الأعمدة الأساسية لهذه الحرب التنموية، حيث امتد شريان الحياة من فرع دمياط بنهر النيل، تحديدًا عند محطة مائية في سرابيوم بالإسماعيلية، لتبدأ رحلة المياه غرب قناة السويس، مارّة بعدد من محطات الرفع والتوزيع، ثم تعبر قناة السويس من خلال نفق تحت القناة في منطقة جنوب بورسعيد، وهو أحد أضخم أعمال البنية التحتية في المشروع، وصولاً إلى شرق القناة عبر سحارة السلام، وهي واحدة من أعقد الأعمال الهندسية التي أقيمت أسفل القناة.


وبعد عبور المياه إلى شرق القناة، تبدأ ترعة الشيخ زايد، وهي الامتداد الطبيعي لترعة السلام داخل أراضي سيناء، حيث تسير المياه شرقًا لمسافة تزيد عن 87 كيلومترًا في أراضٍ كانت قاحلة تمامًا. وقد بدأت هذه الترعة العملاقة في توزيع المياه على مناطق زراعية شاسعة شملت مناطق سهل الطينة، وجنوب القنطرة شرق، ورابعة، وبئر العبد، ووصولاً إلى مناطق السر والقوارير شمال سيناء، وهي مناطق كانت تعاني العطش والتصحر وتحولت اليوم إلى أرض خصبة عامرة بالمزارع والقرى المستحدثة.


ويمتد المشروع ليغذي أكثر من 400 ألف فدان في سيناء، مقسّمة بين مناطق مختلفة زراعيًا وسكانيًا، مع تخصيص نسبة من الأراضي لصغار المزارعين والشباب، ونسبة أخرى للمستثمرين، بما يحقق عدالة تنموية حقيقية. وقد تم دعم هذه الترع بشبكات من القنوات الفرعية ومحطات الرفع المتطورة لضمان تدفق المياه بكفاءة.


وما كان لهذه الثورة الزراعية أن تنجح بهذه القوة لولا البنية التحتية العملاقة التي تم تأسيسها لخدمة هذا المشروع التنموي الوطني، بدءًا من المعابر والأنفاق تحت قناة السويس، مرورًا بالمعديات العملاقة، ووصولاً إلى محطات الرفع والري الحديثة. الأنفاق الجديدة مثل نفق الشهيد أحمد حمدي 2، وأنفاق تحيا مصر بالإسماعيلية وبورسعيد، فتحت المجال أمام حركة المعدات والأفراد والبضائع بين شرق القناة وغربها، وسهّلت نقل مستلزمات الزراعة والإنتاج إلى قلب سيناء، وربطتها بالوادي والدلتا في خط واحد متكامل. كما أن المعابر والمعديات المنتظمة وفّرت جسور تواصل يومية لخدمة الأهالي والمزارعين، وتسهيل حياة مئات الأسر التي بدأت تستقر على أرض سيناء، وتساهم في بناء مجتمع زراعي جديد.


إن ما يحدث اليوم في سيناء من تحوّل زراعي وعمراني شامل يُمثّل إعادة لصياغة الخريطة السكانية والتنموية لمصر، حيث لم تعد سيناء "بعيدة" أو "منفصلة"، بل أصبحت امتدادًا حيويًا للوادى والدلتا. وقد تزامن ذلك مع جهود كبيرة في تحسين البنية التحتية، وبناء قرى جديدة، ومدّ خطوط الكهرباء والإنترنت، وتوفير الخدمات الطبية والتعليمية، لتصبح سيناء منطقة جذب حقيقية للشباب والأسر والمستثمرين.


إن التعمير الحقيقي لسيناء من خلال الزراعة والمجتمعات الجديدة هو أقوى سلاح في وجه كل التحديات الأمنية، فالأرض التي يُزرع فيها القمح والزيتون، ويُربى فيها النحل والمواشي، وتنبض بالحياة والعمل، لا يمكن أن تكون أرضًا للفراغ أو التطرف أو الإهمال. ومصر، حين خاضت حروبًا لاسترداد الأرض في الماضي، فإنها اليوم تخوض حربًا تنموية حاسمة لترسيخ السيادة والتكامل والعدل بين أرجاء الوطن. وتُعد ترعة السلام وترعة الشيخ زايد، مع ما رافقهما من شبكات طرق وأنفاق ومرافق، نموذجًا ناصعًا على هذه الحرب البيضاء التي تنتصر فيها الحياة.


لقد أثبتت ترعة السلام وترعة الشيخ زايد، ومعها مشاريع السحارات، والأنفاق، والمعديات، والمعابر، أن الإرادة السياسية والوعي الوطني قادران على تحويل المستحيل إلى واقع. ما كان بالأمس صحراء قاحلة أصبح اليوم سلة غذاء خضراء تنبض بالحياة والعمل. إن سيناء لم تعد فقط أرضًا للذكريات والتضحيات، بل أصبحت أرضًا للغد والأمل والبناء.


ومن هذا المنطلق، فإننا نوجّه دعوة صادقة إلى كل أبناء مصر، من المستثمرين والشباب ورواد الأعمال، أن يتوجهوا إلى سيناء، فهناك توجد الفرصة الحقيقية لبناء مستقبل جديد. الأرض متاحة، والمياه متدفقة، والدولة تفتح الأبواب وتذلل العقبات. سيناء ليست فقط بوابة الأمن، بل هي أمل التنمية، ومفتاح الخير لكل المصريين.

google-playkhamsatmostaqltradent