الكاتب الصحفي الكبير حسين السمنودى يكتب
موسوعة الشخصيات العربية الرائدة... إشراقة الرائدات العربيات
في كل صفحة من صفحات التاريخ العربي، تطلّ امرأة عظيمة حملت على كتفيها حلم الأمة، وسارت بخطى واثقة نحو المجد رغم قسوة الظروف. المرأة العربية لم تكن ظلًّا في رحلة الحضارة، بل كانت نورًا يسبق الخطى، تصنع المجد في صمت، وتكتب التاريخ من وراء جدار الصبر والإيمان والعطاء.
منذ عقود طويلة، والرائدات العربيات يثبتن أن الريادة لا تعرف جنسًا، بل تعرف الإصرار، وأن الإرادة حين تمتلكها امرأة عربية، تتحول إلى قوة لا تُقهر. من مي زيادة، إلى سميرة موسى، إلى غادة السمان، إلى كل امرأة عربية آمنت بعقلها وقدرتها على التغيير، نجد أن التاريخ أنصف القليل منهن، لكنه ما زال مدينًا للكثيرات.
واليوم، يأتي جهدٌ مخلص يقوده المفكر والإعلامي الكبير الدكتور معتز صلاح الدين ليعيد الاعتبار إلى تلك النماذج النسائية المضيئة من خلال مبادرته الرائدة في توثيق إنجازات المرأة العربية، ضمن موسوعة الشخصيات العربية الرائدة، التي أصبحت جسرًا يربط الماضي بالحاضر، ويؤكد أن المرأة العربية كانت دائمًا في قلب المشهد الحضاري، وليست على هامشه.
ما يقوم به الدكتور معتز صلاح الدين ليس مجرد عمل توثيقي، بل هو رسالة وفاء للأجيال، وإيمان عميق بأن الأمم لا تنهض إلا حين تُنصف رموزها، رجالًا ونساءً. فبين صفحات هذه الموسوعة، تتلألأ أسماء نساءٍ لمعت في الطب، والهندسة، والتعليم، والفنون والسياسة، والعلوم، وأخريات صنعن المجد بصمتٍ في الظل، فكنّ أكثر تأثيرًا من كثيرين في الضوء.
الرائدة العربية ليست مجرد امرأة ناجحة، بل هي مدرسة في العزيمة، ودليل على أن الأنوثة لا تتعارض مع القيادة، وأن الرقة لا تلغي الصلابة. هي تلك التي واجهت العادات والتقاليد، ولم تكسرها بالعنف، بل تجاوزتها بالوعي، وغيّرت نظرة المجتمع بسلاحٍ ناعم اسمه الثقافة والإبداع.
وما يُميز موسوعة الدكتور معتز صلاح الدين أنها لا تبحث عن الأسماء المتكررة، بل تُنقّب في أعماق الوطن العربي لتكتشف الجواهر المطمورة، فتُعيد تقديمها للأمة في أبهى صورة. هي ليست مجرد موسوعة، بل شهادة تاريخية على أن المرأة العربية كانت وما زالت نصف القوة التي تصنع المستقبل.
فلكل رائدةٍ تركت بصمة في مجالها، ولكل يدٍ نسائيةٍ زرعت في صحراء الصعوبات شجرة نجاح، ولكل صوتٍ صدح بالحقيقة في زمن الصمت، نقول: أنتنّ تاريخٌ يُكتب بالذهب، وأملٌ يُزهر في كل بيت عربي.
لقد أثبتت المرأة العربية، على مر العصور، أنها لا تقلّ عن الرجل عقلًا ولا شجاعةً ولا إخلاصًا، بل تفوقه أحيانًا في الصبر والإصرار والقدرة على البناء وسط العواصف. فكم من امرأةٍ صمدت حين تراجع الجميع، وكم من رائدةٍ صنعت مجدًا للأمة من دون ضجيج، وكم من أمٍّ أنجبت قائدًا وعالمًا ومفكرًا فغابت هي عن الأضواء، لكنها ظلت الشمس التي أضاءت دروبهم في الخفاء.
إن موسوعة الشخصيات العربية الرائدة التي يشرف عليها الدكتور معتز صلاح الدين لا تُسجّل أسماءً فحسب، بل تُعيد بناء الوعي العربي بطريقةٍ حضاريةٍ تُنصف التاريخ والإنسان معًا. إنها توثّق إرثًا من النور، وتفتح أمام الأجيال نافذة على قيم الكفاح، والجد، والإبداع النسائي الذي لا ينضب. ففي صفحاتها تتحدث الإنجازات بلسان الصدق، وتشهد الأفعال على أن المرأة العربية كانت وستظل ضمير هذه الأمة النابض بالحياة.
لقد آن الأوان أن يعرف العالم أن الرائدات العربيات لسن استثناءً في التاريخ، بل أصلًا في مسيرة الحضارة. وأن ما تقوم به هذه الموسوعة المباركة من إبرازٍ لدورهن ليس تكريمًا رمزيًا، بل اعترافًا مستحقًا بفضلٍ عظيمٍ غيّر وجه المجتمعات العربية من الداخل، وأعاد للأنوثة معناها الإنساني الرفيع البعيد عن الصور النمطية.
في كل سطر من هذه الموسوعة، نرى وجه أمةٍ تنهض من جديد، ونسمع صدى أجيالٍ تقول: "هنا نساء كتبن التاريخ بعرقهنّ، ووقفن على أرضٍ من المبادئ لا تهتزّ". فهؤلاء الرائدات، مهما اختلفت بلدانهنّ ومجالاتهنّ، يجتمعن في مبدأ واحد: الإيمان بالقدرة، والوفاء للوطن، والولاء للحلم العربي الكبير.
وإذا كان التاريخ يُخلّد من يصنع الأثر، فإن الدكتور معتز صلاح الدين يستحق أن يُذكر اسمه بين بناة الوعي العربي، لأنه آمن بأن التوثيق أمانة، وأن حفظ إنجازات الرائدات ليس عملًا أرشيفيًا، بل واجب وطني وأخلاقي تجاه أجيالٍ قادمة تبحث عن قدوةٍ ونموذج.
فلتبقى موسوعة الشخصيات العربية الرائدة جسرًا من الوفاء يمتدّ بين الماضي والمستقبل، تُخبر العالم أن هذه الأمة ولّادة بالخير، وأن بين ضفتيها نساءً عظيماتٍ كنّ وسيبقين أعمدة النور التي تُضيء طريق النهضة.
وسيبقى التاريخ يذكر دائمًا أن وراء كل نهضة عربية، كانت هناك امرأة عربية... رائدة، عظيمة، مؤمنة، وخلّاقة.
.jpg)