المفكر العربي على محمد الشرفاء :النساء لسن عبيداً للموروثات والإسلام ليس دين قهر وإذلال .. لا عصا في بيت الرحمة
-القرآن نزل ليزرع الحب في القلوب لا القهر في البيوت .. والأسرة لا تبنى بالسياط بل بالمودة
حين يُصبح النصّ القرآني رهينة لتفاسير غلّفتها الأهواء .. ثم .. ثم تتحوّل الرحمة إلى عصا والمودة إلى إذلال .. حين تتصدر إلينا ثقافة العنف على أنها دين .. عندئذٍ لابد للضمير الحي أن يصرخ .. والعقل الرشيد أن يتحرّر .. لابد وان يضئ قنديل الحق في هذا الليل المعتم .. ليزيح الغشاوة عن أعين إعتادت الظلم .. حتي تستعيد الرسالة الإلهية طهرها المسلوب .. فالدين الذي أتى ليسكن القلوب .. لا يُعقل أبداً أن يُسوّغ إهانة .. أو يبرر قهر .. فالحق يعلو حين ينطق القرآن لا حين يهمس المفسرين .
.. نعم يبدو أنه زمن تغوّلت فيه الأعراف الذكورية على جوهر الدين .. أُختطف النور .. ثم .. ثم أُغتيلت الرحمة باسم الدين .. وأحسب هنا أن الصمت علي ذاك الأنحراف جريمة .. والتواطؤ عليه خيانة تستوجب الرد والوقوف .. لكشف الزور وإماطة الأذي عن دين الإسلام الحنيف
وفي مسيرته الفكرية والتنويرية يقف المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي .. وكأنه حارسًا لـ معاني القرآن الكريم .. ويكتب صرخة وعي من خلال مقالاً جريئاً تحت عنوان : " العلاقة الزوجية أساسها المودة والرحمة " .. يعلن فيه صراحة أن العلاقة الزوجية لا تقوم على " الضرب " .. بل على " الرحمة " .. ولا تنهض على الإذلال بل على العدل والمساواة .. كما أرادها المولي سبحانه وتعالي حينما قال: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً " .. صدق الله العظيم .. فأي منطق هذا الذي يجعل من ضرب المرأة وسيلةً لحماية بيتٍ أسّسه الخالق سبحانه وتعالي على الرحمة والمودة ؟!
وهنا يتساءل الحمادي : أين اختفى ميزان الرحمة من تفاسير " الضرب " ؟ .. لقد آن الأوان لنعيد قراءة النص القرآني .. بعيدًا عن التفاسير التي صيغت على هوى ذكور ألبسوها القداسة .. وهم في الحقيقة ضلّلوا الناس .. وخانوا أمانة التفسير .. فحين يقول المولي عز وجل : " وَاضْرِبُوهُنَّ " .. فهل يُعقل هنا أن يكون القصد هو العنف الجسدي والمادي ؟ .. فأين هذا المعنى من قوله سبحانه وتعالي في نفس السياق : " وَالصُّلْحُ خَيْرٌ " .. وقوله عز وجل : " فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا وَاغْفِرُوا " ؟
بدأ علي الشرفاء الحمادي بعين المتدبّر وفكر الفقيه الحر .. بدا وكأنه يضع النقاط فوق الحروف قائلاً : كلمة " وَاضْرِبُوهُنَّ " في القرآن لا تعني الضرب الجسدي .. بل تعني الامتناع عن المعاشرة .. كنوع من التنبيه النفسي والعتاب الصامت .. لا إهانة ولا إذلال .. اما التفسير الذكوري فهو انقلاب على مقاصد القرآن .. وذاك دلاله صريحة علي أن الخطأ لا يكمن في النص .. بل في من احتكروا تفسيره لخدمة نزواتهم وتسلّطهم .. وجعلوا من " القوامة " أداةً للسيطرة .. بينما أرادها الله مسؤولية تكليف لا تشريف .. أرادها دوراً في الإنفاق والرعاية لا سلطةً للاستبداد والإهانة .. لقد قدّمت التفاسير التراثية المرأة على أنها تابع .. بينما نصوص القرآن تكرّمها شريكاً متكامل الحقوق .
فالقوامة ليست تسلط وتحكم بل رعاية .. والضرب ليس عنفاً بل انسحاباً حكيماُ .. إذ يرى الشرفاء الحمادي أن المعنى الحقيقي لكلمة " الضرب " في الآية يُفهم فقط حين نعرضها على سياق استعمالاتها في القرآن الكريم عندما قال سبحانه وتعالي : " ضرب الله مثلاً " .. وقوله : " يضربون في الأرض " .. وقوله : " يضرب الله الحق والباطل " .. صدق الله العظيم .. كلها آيات كريمات بينات .. لا تعني استخدام الأيدي بل تعني الإعراض .. أو الانفصال .. أو التمثيل .. أو التجاوز .. فلماذا إذن اختُزِل هذا المصطلح في الضرب الجسدي حين تعلق الأمر بالمرأة ؟ .. ذلك لأن المفسرين لم يكونوا أنبياء .. بل رجالًا من عصر تسلّطي .. حمّلوا القرآن ثقافة زمانهم لا نور الوحي الإلهي .
فالتشريع القرآني يحمي المرأة والتفاسير الذكورية خانت الأمانة .. وهذا ما يوضحه علي الشرفاء إذ يري أن التفاسير جاءت مجحفة .. ويطالب بتطهير فهم القرآن من خلال شوائب الموروث الفقهي الملوّث بثقافة العنف الذكوري .. فكيف نتجاهل عشرات الآيات التي تدعو إلى العفو والصفح والصلح والتراحم .. ونتمسك بآية واحدة فُسّرت بمعزل عن روح القرآن ؟ .. أليست آيات مثل : " وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ " .. ووَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " .. " إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ " .. صدق الله العظيم .. أليست هذه الآيات من صلب منهج الله في بناء الأسرة والمجتمع ؟ .
فحين يصبح العنف مشروعًا يكون الأطفال هم أول الضحايا .. فظلم التفسير لا يتوقف عند حدود الزوجة .. بل يمتد إلى الأبناء .. حيث يولدون في بيوت تنهشها الصراعات .. وتهز استقرارها يد الرجل تحت غطاء " الضرب المباح " .. وهذا الانهيار النفسي داخل الأسرة يتحوّل إلى تشوهات سلوكية لدى الأبناء .. فينشأ جيل مضطرب ومشوّه .. ويسهل اصطياده من قوى التطرف والانحراف .
ويؤكد الشرفاء في مقاله التنويري علي ان الرسالة الإلهية نور للقلوب لا سوط على الأجساد .. لذا يدعونا لقراءة القرآن الكريم كما أنزله الله .. لا كما شرحه المفسرون .. فالله لم ينزل كتابه ليكون أداة في يد المتسلطين .. بل ليحرر الإنسان " رجلًا وامرأة " .. ويمنح الأسرة سكينةً قائمة على الرحمة لا القهر .. فهل آن لنا أن نسمع صوت الوحي لا صراخ الفقهاء ؟ .. وهل نعيد للمرأة حقها في التفسير .. كما أعطاها القرآن كامل حقها في الإنسانية ؟
ويتساءل الحمادي في ختام تحليله الفكري : إلى متى نظل عبيداً لتفاسير خادعة صنعتها الأهواء ؟ .. فالطريق إلى الإصلاح لا يبدأ بإحياء التفاسير .. بل بدفنها طالما انها تخالف روح القرآن .. فليس من الإيمان أن نتمسك بعنف موروث .. ونترك دعوة الرحمة التي كررها الله في عشرات المواضع .. وليس من الدين أن نظلم من أقسم الله بكرامتها .. فالأسرة لا تبنى بالعصا بل بالمودة كما أراد الله .. اللهم اني قد بلغت اللهم فاشهد .