recent
أخبار عاجلة

موسوعة الشخصيات النسائية العربية الرائدة… حين تنطق الإرادة بلسان المرأة بقلم حسين السمنودي

 





موسوعة الشخصيات النسائية العربية الرائدة… حين تنطق الإرادة بلسان المرأة

بقلم حسين السمنودي 

المدير العام بمديرية أوقاف القاهرة..مصر 


في عالمٍ تتراكم فيه الأسماء وتتزاحم فيه الصور، يبقى للتوثيق المسؤول طعمه المختلف، ونبضه الخاص. وبين زحام هذا العالم، تطل موسوعة الشخصيات النسائية العربية الرائدة كمشروع حضاريّ فريد يعيد للمرأة العربية دورها الطبيعي لا بوصفها تابعًا، بل فاعلة، وقائدة، ومصدر إشعاع إنساني وفكري وحضاري. هذه الموسوعة التي أطلقها الدكتور الصحفي معتز صلاح الدين، رئيس شبكة إعلام المرأة العربية، ليست مجرد توثيق لأسماء نساء ناجحات، بل هي أشبه بسِفرٍ حيّ يروي حكايات النضال الصامت، والإنجاز الذي غالبًا ما يبقى خلف الكواليس، لأن بطلته امرأة عربية، اختارت أن تبني في صمت، وأن تُبدع بعيدًا عن التصفيق.


منذ أن انطلقت فكرة الموسوعة، لم تكن مجرد مبادرة لتكريم نساء عربيات على هامش الفعاليات، بل كانت استجابة حقيقية لفراغٍ كبير تعانيه الذاكرة العربية في توثيق جهد النساء في ميادين الحياة كافة. حمل الدكتور معتز صلاح الدين هذا المشروع بروح الباحث لا الصحفي فقط، وبعقلية المؤمن بأن التمكين يبدأ من الاعتراف، وأن أول طريق العدالة هو أن تُروى القصة الحقيقية، القصة التي لا تهتم بالبهرجة، بل بالجوهر. ولذلك، لم تكن اختيارات الموسوعة خاضعة لنفوذ أو شهرة، بل لرصدٍ دقيق لما قدمته كل سيدة في محيطها، سواء كانت في مدينة كبيرة أو قرية نائية، سواء كانت وزيرة أو معلمة أو ممرضة أو مؤسسة مبادرة مجتمعية أو قائدة فكرية.


لقد رصدت الموسوعة نساءً كنّ بمثابة جسر نور في بيئات معتمة، من علّمَت النساء القراءة تحت شجرة في جنوب اليمن، إلى طبيبة تعالج المرضى في شمال السودان بلا أجر، إلى إعلامية واجهت التنمر من أجل كلمة صادقة، إلى أمٍّ كرّست حياتها لذوي الاحتياجات الخاصة، إلى محامية تدافع عن الفقراء دون أن تعرفهم، إلى شابة أطلقت مشروعًا زراعيًا في أرض بور فحوّلتها مصدر رزق لعشرات العائلات. هي حكايات تشبه الذهب الخام: لا تلمع فورًا، لكنها لا تصدأ أبدًا.


ولأن هذه الموسوعة لا تهدف فقط للتوثيق بل للتأثير، فقد أصبحت تدريجيًا منصة حقيقية لبناء شبكة دعم متبادلة بين الرائدات العربيات، تتلاقى فيها الأفكار وتُولد فيها المبادرات، وتنتقل فيها الخبرات بين جيلٍ شابٍ يبحث عن إلهام، وآخر ناضجٍ يمنح من ذاته. بل إن بعض النساء اللاتي تم توثيق إنجازاتهن بدأن بدورهن في إطلاق مبادرات لتمكين نساء أخريات، ليصبح هذا المشروع حلقة نور تتوسع عامًا بعد عام، وتُضيء في كل بلد عربي نافذة أمل. وقد امتدت هذه الموسوعة إلى مؤسسات تعليمية ومراكز فكرية ومبادرات تنموية، لتصبح مرجعًا حيًّا يُدرّس للجيل الجديد كيف تكون المرأة العربية صانعة واقع لا أسيرة واقع، وكيف أن الريادة لا تحتاج دومًا لسلطة، بل تحتاج لإرادة.


وما يلفت الانتباه في هذا المشروع الفريد هو الجانب الإنساني الصادق الذي يغلفه من أوله إلى آخره، فمنهج الدكتور معتز صلاح الدين في التعاطي مع الشخصيات التي تُوثق سيرها لا يقوم على الحيادية الباردة، بل على التقدير الدافئ للمعاناة، والتقاط التفاصيل الدقيقة التي تُظهر كم العناء الذي واجهته كل امرأة للوصول إلى ما هي عليه. فلا تمر سطور الموسوعة على الإنجاز فحسب، بل تغوص في الطفولة، في لحظات الانكسار، في المعوقات الاجتماعية، في الدعم الغائب، في الانتصارات الصغيرة التي تُبنى بها القلاع. إنها توثق الإنسان قبل المنصب، والقلب قبل الكلمة، والحقيقة قبل الصورة.


هذه الموسوعة ليست مجرد دفاتر وسطور، بل مرآة صادقة لوجهٍ طال تهميشه عمدًا، أو نسيانًا، أو تقصيرًا. ومن خلالها يُعاد للمرأة العربية اعتبارها في قلب حركة التغيير، باعتبارها ليست فقط نصف المجتمع عدديًا، بل قلبه النابض حضاريًا، وجذعه الصامد أخلاقيًا، وعقله المتجدد فكريًا.


وفي وقتٍ يتسلل فيه الإحباط إلى مجتمعاتنا العربية، تكون هذه الموسوعة بمثابة صوتٍ عالٍ يقول لنا إن الأمل ما زال حيًا في المدارس، وفي البيوت، وفي العيادات، وفي المؤسسات التي تقودها نساء عربيات لا يبحثن عن المجد بل عن الأثر. ويأتي الدكتور معتز صلاح الدين في هذا كله كناقل صادق لهذا الضوء، يلتقطه لا ليتباهى به، بل ليقدّمه للأجيال القادمة باعتباره ميراثًا يُحتذى لا يُنسى.


إنّ هذه الموسوعة تضع حجر أساس جديد في طريق بناء وعي عربي يعترف بكل من صنع الفارق، ويزرع في الطفلات العربيات حلمًا حقيقيًا، لا يرتكز على الخيال، بل على نماذج عاشت بيننا، وتجاوزت كل الحواجز وكسرت كل القيود.


وفي الختام، يمكن القول إن موسوعة الشخصيات النسائية العربية الرائدة ليست مجرد مشروع، بل وثيقة شرف تحفظ للأمة أجمل ما فيها: نساؤها. هي دربٌ ممتدّ من الوفاء، ومشروع توثيق لا تُقاس قيمته بعدد صفحاته، بل بما يتركه في الوجدان من أثر. وهي، قبل كل شيء، ردّ اعتبارٍ تأخر كثيرًا، لكنّه حين جاء، جاء ناضجًا، وعميقًا، ومشبعًا بالحب والتقدير والإنصاف. فهنيئًا لكل امرأة عربية خُلّدت سيرتها في هذه الموسوعة، وهنيئًا لأمتنا بهذا المشروع النبيل، وهنيئًا للدكتور معتز صلاح الدين بهذا الجهد الذي سيبقى، ما بقيت الذاكرة العربية تبحث عن بصيص النور في زمن الظلال.

google-playkhamsatmostaqltradent