المرأة الأردنية... مسيرة كفاح في ميدان الوطن والإنسانية
بقلم حسين السمنودي
كاتب صحفي
حين نقرأ تاريخ الأردن، لا يمكن أن تغيب عنا تلك الصفحات المضيئة التي خطّتها المرأة الأردنية بأنامل من عطاء وإيمان بالوطن. فقد كانت على الدوام شريكًا أصيلًا في مسيرة البناء والتقدم، لا تكتفي بالمساندة الصامتة، بل تتصدر الصفوف في العمل الوطني، وتغرس جذورها في ميادين العمل الإنساني والمجتمعي، فتزرع الأمل في زمن الحاجة، وتخفف الألم في وقت الشدّة، وتُعيد الروح في لحظات الانكسار.
منذ بدايات تأسيس الدولة الأردنية، كانت المرأة حاضرة في المشهد العام من خلال الجمعيات التطوعية والخيرية التي اهتمت بشؤون الفقراء والمحتاجين واللاجئين. وقد لعبت دورًا رائدًا في دعم المجتمعات المحلية، عبر مبادرات خدمية تطوعية شملت توزيع المساعدات، وتنظيم حملات صحية وتعليمية، وتوفير مأوى للأطفال الأيتام والنساء الأرامل. في تلك الفترات الصعبة، ظهرت أسماء لنساء أردنيات جعلن من العمل الإنساني رسالة يومية، ومهمة وطنية تتجاوز الحدود الجغرافية، وتطال روح المجتمع في عمقه.
لم يكن العمل الإنساني يومًا رفاهية في الأردن، بل كان استجابة حقيقية لواقع تتعاقب عليه التحديات. فمع توافد موجات اللاجئين الفلسطينيين ثم العراقيين وأخيرًا السوريين، وقفت المرأة الأردنية شامخة، تؤسس للمبادرات، وتستقبل الأسر المنكوبة، وتفتح أبواب البيوت والمؤسسات أمام من تقطعت بهم السبل. وكانت الجمعيات النسائية والمبادرات التي تديرها النساء خير شاهد على قدرة المرأة الأردنية على التخفيف من معاناة الآخرين بروح تعاونية متجردة من المصالح.
كما أبدعت المرأة الأردنية في إدماج الفئات المهمشة، كالأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، داخل المجتمع عبر برامج تأهيلية وتعليمية، ومشروعات صغيرة تساعد الأسر الفقيرة على توليد دخل مستدام. بل إنّ كثيرًا من النساء أسسن مراكز تدريب مهني وحرفي لتعليم نساء أخريات مهارات تساعدهن على الخروج من دائرة العوز إلى دائرة الإنتاج، فأصبحن لا يعشن على المساعدات، بل يشاركن في صناعتها وتوزيعها.
في الريف والبادية، لم تتخلّ المرأة الأردنية عن دورها الإنساني، بل كانت مثالًا في النضج والمسؤولية. فقد قادت حملات التوعية الصحية، وساهمت في إنشاء حضانات ومراكز تنمية مجتمعية، ودعمت المزارعين الفقراء بجهدها وخبرتها وحضورها الفاعل. وفي الأزمات، كجائحة كورونا، تجلت إنسانيتها بوضوح؛ فساهمت في توعية الأسر، وتنظيم حملات توزيع الكمامات والمطهرات، وتقديم وجبات الطعام للعائلات المتضررة.
ولا يمكن تجاهل دورها في العمل الإنساني الدولي، من خلال المؤسسات الأردنية التي تترأسها نساء وتعمل على تقديم العون لمناطق النزاع في العالم العربي. فقد نقلت المرأة الأردنية رسالة وطنها في المحبة والتضامن، وكانت وجهًا ناصعًا للأردن في العمل الخيري الإقليمي والدولي، من خلال قوافل الإغاثة، والمشروعات التنموية التي تقودها نساء بخبرة وعزيمة.
القيادة الهاشمية لعبت دورًا كبيرًا في ترسيخ هذا النهج، حيث كانت الملكة رانيا العبد الله نموذجًا عالميًا في العمل الإنساني، تنقل صوت المرأة الأردنية في المحافل الدولية، وتطلق المبادرات التي تستهدف التعليم والصحة والطفولة. كما تبنت مؤسسة الملكة نور الحسين برامج رائدة لإدماج المرأة في التنمية، وربطت العمل الإنساني بالتمكين الاقتصادي، ما خلق تحولًا حقيقيًا في مفهوم المساعدة من الإعانة إلى الاستقلال.
المرأة الأردنية اليوم لا تقف عند حدود ما تحقق، بل تنظر إلى المستقبل بعين الوعي والعزيمة. هي اليوم قيادية في الجمعيات الخيرية، ورائدة في المبادرات الاجتماعية، ومتطوعة في الأزمات، وملهمة لجيل جديد من الفتيات يؤمنّ بأن الإنسانية ليست شعارًا بل سلوكًا يوميًا ومسؤولية وطنية.
هكذا كانت المرأة الأردنية ولا تزال، صورة مشرقة للوطن، وضميرًا حيًا للإنسانية، وكفًّا حانية على جراح المتعبين، تحمل همّ الوطن وتفتح قلبها للناس.