recent
أخبار عاجلة

الحاسدون والحاقدون والكارهون... نفوس مريضة في كل المجتمعات

 



الحاسدون والحاقدون والكارهون... نفوس مريضة في كل المجتمعات

بقلم حسين السمنودي المدير العام بمديرية أوقاف القاهرة 


لا تخلو أيّ بيئة بشرية من أولئك الذين يحملون في قلوبهم أمراضًا نفسية دفينة، تتجلى في صور الحسد والحقد والكراهية. هؤلاء لا تبهجهم النجاحات ولا تسرهم الأفراح، بل يفرحون لعثرة الناس، ويؤلمهم كل خير يناله غيرهم، وكأن السعادة لا تُقسم إلا إذا خُصّوا بها وحدهم دون سواهم.


الحاسد يتألم حين يرى غيره في نعمة، والحاقد لا ينسى موقفًا أو تفوقًا، فيبني بداخله جدران الغلّ، بينما الكاره يتمنى زوال النعمة عن الآخرين لا لشيء، إلا لأنه لا يحتمل رؤيتهم في راحة أو ازدهار. وكل هؤلاء يجتمعون في أنهم عجزوا عن تحقيق ما حققه غيرهم، فحوّلوا هذا العجز إلى طاقة سلبية مدمرة.


هذه النفوس المريضة موجودة في كل المجتمعات، لا تقتصر على فئة أو بيئة أو بلد، ولكن درجات ظهورها تختلف بحسب الوعي والتربية والثقافة. وإن أخطر ما يفعله هؤلاء أنهم لا يؤذون فقط من يكرهونهم، بل يقتلون في أنفسهم راحة البال، لأن الكراهية نار تحرق صاحبها أولًا.


والأدهى أن أثر هؤلاء لا يتوقف على ذواتهم فقط، بل يتسلل إلى محيطهم الاجتماعي، فينشر سمومه في المؤسسات، ويغتال روح التعاون بين الأفراد، ويشيع الفتن بين الزملاء والأصدقاء، ويُضعف البنية النفسية للمجتمع. فالحاسد لا يكتفي بحقده، بل يسعى لتشويه الناجحين، والكاره لا يرضى بصمته، بل يتحول إلى ناقم ناقل للإحباط، ينشر الشك في كل جميل، والتشكيك في كل صادق.


وفي المؤسسات، سواء كانت تعليمية أو إدارية أو إنتاجية، يصبح وجود هؤلاء معول هدم خفي، يقوّض روح الفريق، ويزعزع الثقة، ويعطل الإنجاز. تجدهم يثبطون الهمم، ويغتابون الناجحين، ويخلقون صراعات لا طائل منها. فتسوء بيئة العمل، وتتراجع الإنتاجية، ويعمّ التوتر بدلًا من الهدوء، لأن الكراهية لا تبني مؤسسات، والحسد لا يخلق ابتكارًا، والحقد لا يثمر خيرًا.


أما على مستوى العلاقات الإنسانية، فوجودهم كفيل بتشويه أجمل الروابط. فكم من صداقة صادقة انهارت بسبب وشاية حاقد؟ وكم من أسرة تفككت بسبب غلّ حاسد؟ وكم من موهبة طُمست لأن كارهًا سعى لإطفاء نورها؟ هؤلاء لا يرتاحون حتى يروا الخراب يحل، لا حبًا في النصر، بل شماتة في الهزيمة.


لكن المجتمع الواعي لا يسمح لهؤلاء أن يكونوا مؤثرين. فمواجهتهم لا تكون بالرد على أفعالهم، بل بتجاهلهم وبنشر الطمأنينة والإيجابية في المقابل. لا بد من تعزيز قيم المحبة والرضا والتسامح، وأن نربّي أبناءنا على أن يفرحوا لفرح الناس، وأن يحترموا نجاح الغير، وأن يدركوا أن الخير لا ينقص بالعطاء، وأن الله يعطي من يشاء بلا حساب.


فالعاقل من أدرك أن الأرزاق بيد الله، وأن لكل إنسان نصيبه، فلا حسد ينفع ولا حقد يغيّر من قدر. والسليم من نجا بنفسه من هذه المشاعر، واشتغل ببنائها لا بهدم الآخرين.


فلننظر لأنفسنا، ونطهّر قلوبنا، ولنتذكر أن الحاسد لا يهنأ، والحاقد لا يرقى، والكاره لا يسعد، فالحياة قصيرة لا تستحق أن نعيشها ناظرين في يد غيرنا، ساخطين على نصيبنا.

google-playkhamsatmostaqltradent